لم تكن المرة الأولى التي يعترف فيها نور الشريف بأنه استمد
شخصية «حسن» سواق الأتوبيس من شخصية مخرج الفيلم عاطف الطيب نفسه. يقول:
نعم حسن في جزء كبير منه هو عاطف الطيب وكنت في كثير من جوانب هذه الشخصية
أتخيل «عاطف» نظرته وغضبه المكبوت الذي يقف على شفا الانفجار من جوانب هذه
الشخصية الطيبة، بل دعني أقل لك راجع كل شخصيات الطيب خاصة تلك التي أديتها
انا أو تلك التي أداها أحمد زكى وستجد فيها هذا الملمح.. ملمح الغاضب الذي
يقف عند حد الانفجار ولا ينفجر، ولعل ذلك هو السبب - أقول لعل - في موت
عاطف الطيب في سن صغيرة رغم ايماني العميق بأن الأعمال بيد الله. ولأن عمه
اسماعيل شخصية محورية في حياته بعد الانتهاء من فيلمه القديم والأثير الى
قلبه «السكرية» الذي لعب بطولته عام 1973 , اخراج الرائد حسن الامام.
لكن ما علاقة العم اسماعيل صاحب ورشة النجارة بكمال
عبدالجواد - المدرس - المثقف الغارق في تأملات فرضتها عليه عشقه للفلسفة؟..
يقول نور في المشهد الذي أتوجه فيه الى مكتب ابن شقيقتي
مدير مكتب الوزير أسأله ان يتوسط لي انا - خاله - كي لا يتم نقلى من
المدرسة التي أعمل بها، استرجع معي هذا المشهد من أين أتيت بهذه النظرة
المملوءة بالحسرة على العمر الذي فات، وعلى كل الأحلام التي ذهبت أدراج
الرياح، وعلى هذا الزمن الذي جعلني انا - كمال عبدالجواد - بكل ما لي من
قيمة ثقافية وقدر - عند نفسي على
الأقل - ان اضطر للذهاب الى ابن شقيقتي وهو من هو لأستجديه
وساطة، وستندهش حينا أقول لك ان تلك النظرة كنت ألمحها في عيني عمى اسماعيل،
الذي اضطر الى طلاق زوجته بعد وفاة أبى ليتفرغ لتريبتي انا وشقيقتي، فهو
رغم سعادته بنا الا انه مع الكبر كانت تغشاه حسرة على الماضي وعلى ما مر من
حياته لم تكن تظهر الا في عينيه ولم يكن يلحظها الا شخص مثلى كان لصيقا به
الى حد انه كان ينام في حضنه.
بل دعني أقل ان هذه الحسرة الساكنة في عيني وهذا التثاقل في
السير وكأني أحمل على كاهلي هموم العالم هما اللذان بهرا أستاذنا حسن
الامام مخرج الفيلم، والذي كان رافضا ان العب هذا الدور لصغر سنى واضطر ان
يقبلني بعد اصرار المنتج علىّ.
وأذكر ان الأستاذ حسن حيمنا رأنى في أول يوم تصوير لي لم
يعرفني واندهش أكثر عندما أديت المشهد بل انه صرخ «ستوب» ونادي على مساعديه
وعلى المصور وطالبهم بتغيير العدسة لتكون اللقطة قريبة وكبيرة وكان هو قد
جهز المشهد ليأخذه عن بعد في لقطة عامة.
ولم يكن انسى سعادتي حينما سمعت الأستاذ حسن الامام يصرخ:
«ستوب».. الأستاذ بيمثل حلو، وحسن الامام الذي كان له الفضل في اكتشافه
سينمائيا وكيف انه لخص له التمثيل السينمائي في جملة واحدة في اللقاء الأول
الذي جمعهما وهى التمثيل في السينما يعنى ان تظهر أحساسيك بوجهك، وكيف انه
رغم تاريخه الطويل ورغم شخصيته القوية لا يكابر أمام اقتراح يرى انه سيفيد
طريقه أداء الممثل الذي يعمل معه ولكن الوضع يختلف عند يوسف شاهين وهو صاحب
مدرسة أخرى. لأن شاهين يرى الممثل مثله مثل أي أداة أخرى في العمل، مثله
مثل قطعة الاكسسوار وأن اهتمامه الأكبر يكون برؤيته وبجماليات الصورة عنده.
لكن وللحق أقول: ان يوسف شاهين ورغم هذه الرؤية للممثل فانه يحترم جدا
الممثل الذي يحترم مهنته ويحاول الاجادة فيها.
وهنا دعني أتذكر معك مشهدا دالا على ما أقوله، في «حدوته
مصرية» اضطررت لاعادة مشهد واحد أكثر من خمس وعشرين مرة، في كل مرة انا
الذي أطلب الاعادة لاحساسي بأنني يمكن ان أؤدي أفضل، وكان مشهد فرحتي بفوزي
بجائزة عن «باب الحديد» ثم دخول يسرى نصرالله ليخبرني بأنهم سحبوا منى
الجائزة ليمنحوها لممثل آخر.
طلبت من الأستاذ ان أعيده وأعيده وأعيده، وعلى الرغم من ان
الأستاذ وافق على أدائي في المرة الخامسة الا انني استسمحته ان أعيده مرة
أخرى، ولحظتها قال لي يوسف شاهين بسخريته المعهودة: أيه يا دقدق.. عايز
تفهمني انك بتمثل أحسن من كده، قلت له انني أشعر بأنه يمكن ان أكون أفضل
وأعدت المشهد مرات ومرات وفى المرة العشرين تقريبا توقفت وقلت للأستاذ -
حرجا -: خلاص انا آسف ممكن تأخذه من المرة الخامسة التي وافقت عليها ولكن
يوسف وللحق قال لي: لا.. مادمت تشعر بأنك ممكن ان تكون أفضل خذ راحتك، وطلب
من معاونيه ان يطفئوا الأنوار وطلب منى ان أرتاح في غرفتي وأعود لأمثل
المشهد مرة أخرى وعدت وكررت الاعادة وفى المرة الخامسة والعشرين شعرت بأنني
توصلت الى ما أريده وشعر بذلك الأستاذ فقفز نحوى يحتضنني ويقبلني. أنا أذكر
هذه المواقف لأدلل على شيئين الأول: هو ان يوسف شاهين رغم انه مخرج يتعامل
مع الممثل باعتباره «اكسسوار» ضمن «اكسسوارات» الفيلم الا انه في الوقت
نفسه يحترم بشدة احترام الممثل لنفسه وموهبته. الشيء الثاني: الذي أحب ان
أؤكده هو - عدم الخجل - أقصد خجلي من الاعادة كثيرا، فأنا من الممثلين
الذين يحبون الاعادة ولا أخجل من ذلك فأنا مؤمن بأن الخطأ خطأ ولا يجب
تجاوزه، وأنا السينما من مميزاتها انها تعطيك هذه الفرصة - فرصة الاعادة -
فلماذا لا أستغلها مادام ذلك سيكون في صالحي وبالتالي في صالح العمل ككل؟.
وكان سببا ضروريا ان يتحدث نور عن الفارق عندما جسد شخصية يوسف شاهين نفسه
في فيلم «حدودته مصرية» وعندما مثل شخصية أخرى في فيلم «المصير».. والمعروف
ان شاهين يؤثر على أسلوب الممثل بطريقة طاغية ولا يفلت من سيطرته الا
الممثل المخضرم.. فكيف الحال بممثل يعلب شخصية شاهين.. المطلوب ان يقنع
المتفرج بأنه هو «يوسف».. في نفس الوقت عليه ان يضع بصمته الخاصة والا تحول
الى «مقلد» أو صورة فوتو كوبي بلا روح.. انه امتحان بين مخرج صاحب مدرسة
وبين ممثل فاهم.. أو قل مباراة والفائز فيها المتفرج فكلاهما يلعب لصالحه..
وهنا يقول نور: لقد وقعت رغم انفى وحصري في فخ «جو».. في بعض مشاهد فيلم
«المصير».
والسر في سطوته راجع لأسلوبه في كتابة الحوار فهو يجبر
الممثل على السير في طريقه.. كما انه يؤدى المشهد للممثل قبل التصوير فهو
يحب التمثيل وقد مارسه في عدة أفلام وبالتالي يحدث التأثير.
شكراً فاضل
كان المخرج محمد فاضل هو أول من قدم نور في مسلسل تلفزيوني
ولكنه أيضا باعترافه منحه الخبرة في الأداء واختصر عليه الكثير من
المسافات. يقول نور: لمحمد فاضل معزَّة خاصة في القلب، لأنه وضع حجر الأساس
في مشروع نور الشريف وعلمني انا وكل الزملاء، أشرف عبدالغفور، نادية رشاد،
فاطمة مظهر.. وغيرهم حرفة التمثيل التلفزيوني في أصعب شروطها، قبل اختراع
المونتاج، حيث كنا نمثل الحلقة لقطة واحدة، وعندما نخطئ في الدقيقة سبعة
وعشرين مثلا أي قبل انتهاء الحلقة، نضطر الى اعادة الحلقة كاملة من أولها.
نعيد في ظل العمل الصعب الذي يحدده الأستاذ فاضل، والتعامل
مع ثلاث كاميرات وهنا لابد ان أتوقف لأقول ان العمل التلفزيوني قبل
المونتاج كان اختبارا قاسيا لكتاب الدراما في مصر وأعتقد ان الجيل الأول -
جيل الرواد في مجال الكتابة التلفزيونية - هو أقرب الأجيال الى العبقرية
لتمكنه من أدواته وحسابه لعوامل كثيرة منها مثلا ان الشخصية التي تنهى
مشهدا لا تبدأ مشهدا، واذا كانت الشخصية لابد ان تغير ملابسها فعليه ككاتب
ان يكتب مشهد بدونها، وفى الوقت نفسه لا يخل بالايقاع ولا يبدو انه مجرد
حشو، أو ملء فراغ، كذلك كان الأداء في ظل هذه الظروف صعبا فأنت تمثل مواقف
متعددة ولكن في الوقت نفسه في اطار أشبه بالمسرح غير مسموح فيه بالخطأ.
لذلك حينما يفاجأ الآن بعض مخرجي التلفزيون من انني أمتلك
حرفة الأداء التلفزيوني رغم بعدى عن التلفزيون لسنوات طويلة، أرد عليهم
ببساطة، لا تتندهشوا فأنا مولود على يد الأستاذ الكبير محمد فاضل.
لكن الحال اختلف مع المخرج الشاب سعيد مرزوق الذي شاركه في
بداية حياته في تجربة شديدة الخصوصية وهى «زوجي والكلب» ليقف أمام العملاق
محمود مرسى والقديرة سعاد حسنى وكانت فرحة نور كبيرة - حسبما أخبرني - بثقة
سعيد مرزوق في انه يستطيع الأداء في فيلم خاص وجديد تماما على السينما
المصرية لكن أكثر المفاجآت التي طرحها نور في حديثه عن هذه التجربة وعن
مخرجها انها تجربة أقرب الى الارتجال لكنه ارتجال من نوع خاص أو ارتجال
مدروس وكان المرة الأولى بالنسبة لي، ان أعلم ان أغلب حوار هذا الفيلم هو
حوار مرتجل غير مكتوب. وعنها يقول: تجربة «زوجي والكلب» تجربة صعبة بل أكاد
اجزم انها صعب ان تتكرر مرة أخرى لأن سعيد مرزوق كان متعمدا ألا يكون
التمثيل بها تمثيلا بالمعنى الاحترافي، وربما لذلك قصد ان تكون أسماء
الشخصيات بأسماء ممثليها، محمود - سعاد - نور، بل ان سعيد كتب السيناريو
تقريبا بدون حوار ماعدا ضمير محمود مرسى وقد كتبه في آخر تجربة، في «كافيه
جروبي» - الأستاذ محمود مرسى وسعيد وأنا - ويحكى لنا سعيد السيناريو وأكرر
«يحكى» لا يقرأ انه لا يوجد ما يقرأه.. وكان يحكى ويحكى ويحكى الى ان يشعر
هو اننا شردنا منه، حينها فقط يوقف الحكى لنخرج في الهواء الطلق نتنزه أو
نتناول عشاء.. وهكذا الى ان انتهى السيناريو بالكامل وكنا - الأستاذ محمود
وأنا - مقتنعين تماما بما يقوله سعيد.. وأذكر هنا مشهدا ربما يساعد على فهم
ما أعنيه بالحوار المرتجل، وهو المشهد الذي يدخل فيه فجأة محمود مرسى في
اللحظة التي كنت أحاول فيها سرقة صورة زوجته التي حدثني عنها، فأرتبك انا
وابتعد بسرعة قبل ان يراني نحو الحائط المعلق عليه النتيجة فيبادرني
الأستاذ محمود بسؤال: انت هنا وأنا بدور عليك؟ فأجبته على الفور: الوقت
اللي فاضل، ولم أكمل فلم أجد كلاما يمكن ان أقوله وارتبكت، لكن الأستاذ
محمود يصر: ماله ماله الوقت اللي فاضل؟.. فأجابته على الفور «رزل أوى» وكان
هذه هي المرة الأولى التي يقال فيها على الزمن انه «رزل» ثم يجيبنى الأستاذ
محمود: «هانت».. وهكذا هذا مثل لنموذج عن طبيعة الحوار وكان هذا أسلوبا
خاصا بسعيد مرزوق.. ورغم انني لم أكن امتلك خبرة الأستاذ محمود مرسى الذي
سافر الى فرنسا حيث كل المدارس الحديثة في الأداء والاخراج، الا ان سعيد
كان يثق في للدرجة التي يتركني أرتجل مع الأستاذ الكبير.
سعيد مرزوق كان يتركنا نرتجل على راحتنا ونحن نلعب الورق
مثلا، ثم نفاجأ بعد ذلك بأنه ألغى الحوار ووضع بدلا منه موسيقى، وهنا لابد
ان أذكر انني تعلمت شيئا مهما من سعيد مرزوق، فسعيد كثيرا لا ينطق بكلمة
«ستوب» خصوصا في الأحجام الكبيرة، ويتركني الى ان اكتفى تماما من الاحساس
الذي أرى كممثل انه مهم وجوده، بعده يمكن له ان يحذفه أو لا يحذفه في
المونتاج، لكن أثناء التصوير لا يجبر الممثل على التوقف يتركه حتى يتوقف
هو، هو أمر أكثر راحة لي كممثل.
مدرسة الانضباط
ومن سعيد مرزوق ينتقل نور الشريف فورا الى حديث عن كمال
الشيخ الذي ينتمي الى مدرسة أخرى مغايرة تماما «مدرسة الانضباط» كما يحلو
لنور ان يسميها، فعند كمال الشيخ، الذي كان يعمل «مونتير» في الأصل، يقطع
الممثل عند النقطة التي يريدها هو، بل ان نور يقول:
في تجربتي الأولى مع الأستاذ كمال وهو «الطاووس» كنت أرجوه
في كل مرة يا أستاذ.. أرجوك سبني شويه حتى استنفد الاحساس بأكمله لكنه
دائما ما كان يجيبني «لا تقلق.. انا أريده هنا تماما».
أكل عيش
لا يخجل هذا الفنان الكبير دون غيره من ذكر أفلام في تاريخه
قد تكون حققت الايرادات الكبيرة والشعبية لكنها دون المستوى الفني.. وقدمها
لأكل العيش وضروري التواجد
على الساحة.. وحتى تدور العجلة لان هناك بيوت عديدة تعيش
على هذه الصناعة.. العامل والنجار والكهربائي والريجسير والكومبارس والنقاش
وعمال المهنة نفسها وعناصرها الفنية وأصحاب دور العرض ومن يعملون فيها..
والسينما مشكلتها بأنها تتأثر بأحوال البلد سلبا وايجابا.. رأيناها ناهضة
وجادة بعد الثورة ثم اذا أطلت النكسة برأسها هرب معظم النجوم من وقف الحال
الى سوريا وبيروت وتركيا وشاركوا في أفلام كان هدفها الوحيد التسلية.. لكن
السينما حاولت ان تسترد وعيها في فترة الاعداد لحرب أكتوبر ثم نهضت بعدها
وان كنا لم نضع بعد ذلك الفيلم الذي يؤرخ بحق لهذا النصر العظيم ثم طغى
التلفزيون بمسلسلاته وابتعد النجوم الكبار وقل نشاطهم وأصبحت السينما في
السنوات الأخيرة ساحة للشباب وهو أمر طبيعي وكان تواجدنا في أفلامهم نوع من
التكريم لتواصل الأجيال.. لذلك يقف فيلم «عمارة يعقوبيان» كحالة خاصة لم
تكن تحدث لو ان السينما في ظروفها الطبيعية.. وأتاح الموضوع لهذا الحشد من
الكبار والشباب التنافس في هذه العمارة الضخمة.
نكسة السينما
لم تكن المسألة كما يقول نور الشريف نكسة عسكرية ونفسية فقط
صنعت ظروفها ومقدرتها وأبطالها في هذا الوقت.. بل ان السينما نفسها في مصر
تعرضت لنكسة خطيرة وبدأت بيروت تحاول ان تسحب البساط من تحت أقدامها وطار
الى هناك العديد من النجوم يعملون في أفلام سريعة ومربحة بعيدا عن الأنظار
هنا.. والخطورة ان هذا هو ما يحدث الآن تقريبا وبشكل أخطر.. وليس هناك ما
يمنع ازدهار السينما في بيروت ولكن المزعج ان يثمر ذلك على حساب السينما
المصرية لأن في بيروت ودمشق حكرة سينمائية مثقفة ونشطة تختلف كثيرا عن
سينما 67 التي كانت تعتمد فقط على الجانب التجاري المربح ولو حدث هذا كما
توقع نور الشريف في أحد أحاديثه الصحافية فان الضربة ستكون مؤلمة بالفعل
على صناعة السينما المصرية التي تعانى من فوضى التوزيع. وأنظر الى نور
الشريف الذي غاب تقريبا عام 92 باستثناء فيلمي «ناجى العلى» و«الصرخة»..
سنجد ان له في عام 1990 سبعة أفلام عرضت كلها دفعة واحدة واستحق من خلالها
لقب فنان.
من الحياة
وقد حذر نور الشريف من ضياع السينما المصرية لان البنوك في
بيروت بدأت تشارك في تمويل الأفلام وبدون ضمانات.. وهو ما يكشف عن ضرورة
انشاء بنك للسينما المصرية يقوم بعمليات تمويل الأفلام ويعتمد في رأس ماله
على مشاركات السينمائيين انفسهم.. وأرباح وفوائد القروض. ويرسم «نور» صورة
مستقبل السينما المصرية فيقول: لأننا بدأنا نعيش عصر الأقمار الصناعة فان
الناس ستتعود على مختلف اللهجات تدريجيا ولا استبعد بعد 20 سنة ان سرعة
الاتصالات المخيفة ستخلق لغة دولية عالمية وعند ذلك لن تبقى اللهجة المصرية
هي صاحبة المزايا الكبرى من حيث الانتشار مقابل اللهجات الأخرى.
يمكننا في مثل هذه الأحوال ان نغفر له دونا عن سواه وأن
نفكر من خلاله في أحوال الفن كله لأنه يجسد أمامنا حالة نموذجية تستحق
التأمل والدراسة. نور الشريف الذي دخل مجال الانتاج السينمائي الخاص بفيلم
«دائرة الانتقام» قدم عبر هذا الانتاج العديد من نجوم الاخراج والتأليف
والتمثيل.. فيتجاوز دوره المحدد كممثل معروف الى أستاذ وصانع أجيال ومشارك
حقيقي فعال في الحركة الفنية التي ينتمي اليها.. وهو بهذا ينفرد ويتميز عن
الكثير من أبناء جيله الذين غلب الهلس في أعمالهم الفنية على الجد.. وأخذوا
الأموال من هذا الفن الساذج دون ان يكلفوا انفسهم مشقة المغامرة في الأخذ
بيد الفن الجاد.. واشباع رغباتهم.. الا اذا كانت هذه الرغبات بالنسبة لهم
مجرد كلمات تقال في تصريحات صحافية ساخنة.. بعض النجوم أستثمر الحال في
التجارة واكتفى برفع الشعارات البراقة معتمدا على طلاقة لسانه وقوة اقناعه..
وحب الناس له.. وأدار ظهره للفن الأصيل أي اذا جاءت له الفرصة من خلال
الآخرين.
واعترافات نور الشريف المستمرة عن أفلامه الرديئة وعلى
رأسها «آلو انا القطة».. تجعل الجمهور والنقاد الى حد كبير يغفرون له هذه
السقطات، التي وقع فيها في ظل النظام الغوغائي للسينما التي تدور أو تدار
بلا ضابط أو رابط منذ ان رفعت الدولة يدها بشكل كلى عنها.. حتى وهى تكتفي
في الوقت الحالي بتشغيل المعامل وبعض دور العرض.. فالمهم السيطرة على
الانتاج واصدار القوانين التي تحمى هذه الصناعة وتنقذها من انياب المافيا
التي تتربص بها، من كل اتجاه وعندما سألته الزميلة ايناس ابراهيم ذات مرة
لماذا شاركت في الفيلم المتواضع «الفتى الشرير» أجاب بصراحته المعهودة:
الفتى الشرير ليس أسوأ أفلامي.. فأنا قدمت ما هو أسوأ منه مثل فيلم
السكاكينى الذي قدمته عن قناعة أيضا لان قيمتي في السوق تتحدد من خلال ما
تحققه أفلامي من ايرادات ولأن المنتج لا يحقق ربحا الا من سوق السينما..
ولأن السينما لا تصلح للاستعمال البشرى ولأن الجمهور الحقيقي انسحب وترك
الساحة للشباب الصغير الذي يسعى للأفلام البسيطة المليئة بالعنف والجنس أو
الكوميديا الفجة.. لكل هذا لابد لي من قبول مثل هذه النوعية بين الحين
والآخر.. واذا رفضت هذه النوعية المربحة للمنتج فلن يطلبني وسوف ينسحب
بعيدا عنى كما انسحب الفنان الكبير محمود مرسى والفنانة سعاد حسنى، وكما
ندرت أفلام فاتن حمامة.. وعموما معظم نجوم السينما العالمية نجدهم يقدمون
مع أفلامهم الرائعة أفلاما شعبية للتسلية مثل أفلام «الكاوبوى».
النهار الكويتية في
19/07/2013 |