ما هي المشكلات التي يواجهها
المخرج في معالجة
رواية تحتوي علي
العديد من الخيوط المختلفة من حيث المراجع الادبية وتحليل الذات،
كما في رواية عشيقة
الملازم الفرنسي؟
اي بنية سينمائية
يجدها المخرج ملائمة
لتحويل هذه الاشياء
الي الشاشة؟
يجيب المخرج كاريل رايز:
حاولنا ان نحقق
فيلما.. يعمل كقصة..
فيلما تكون الحكاية في محوره، لكن في الوقت نفسه اردنا انا
نخضع ادراك الجمهور
لتلك الحكاية الي الارتياب لقد اردنا ان نتحدي الجمهور قائلين
لهم. انظروا، اننا
نحقق قصة هنا، فهل ستأتون معنا ام لا؟ وما الذي تعتقدون بشأن
ذلك؟
عندما نستخدم بنية من
ذلك النوع، فعندئذ تصبح الحالات الغامضة الناشئة من
ذلك هي المعني. احيانا
ننتقل علي نحو مفاجئ واحيانا لا نفعل. لكن عبر تعيين المسافة
بين الشيئين بحرص
وحذر، وعبر ايقاع هذه التقاطعات آمل مع نهاية الفيلم ان تتدفق
القصتان معا بسلاسة
وان لا يفصل الجمهور بين المشهدين.
ففي الرواية كان لدي جون فاولز اتجاهان
متواصلان بتحركان علي نحو متواز: الحبكة الفيكتورية اي التي تنتسب
الي العصر الفيكتوري،
وملاحظاته وتعليقاته
الخاصة علي طبيعة القصة الفيكتورية وعلي
الاختلافات بين القيم
الفيكتورية وقيم عصرنا. انه يتحدث عن العلاقة بين القصة
والواقع، الشعر
والواقع، وغير ذلك. وهو كذلك وضع حكايته القوية في محور العمل، لكنه
يستمر في الابتعاد
عنها والتحدث عن مارس وتوماس هاردي وهنري مور، معرضا قصته الي
الارتياب. عندما سئل
لماذا فعل هذا - وهو اكثر الاسئلة التي تطرح عليك شناعة - فان
احد الامور التي قالا
انه لم يرد ابدا علي الاطلاق ان يكتب رواية عن مرحلة تاريخية
في حد ذاتها، بل اراد
ان يكتب رواية عصرية مستخدما المرحلة التاريخية
كمجاز.
الشيء الذي اغراني بشأن عشيقة
الملازم الفرنسي
في المقام الاول هي
القصة ذات المجري
الجميل حقا او شخصية ساره بالطبع. لقد اخبرني جون فاولز انه قبل
المبادرة في كتابة
الرواية فان الامر الذي انطلق منه، الفكرة الاولي التي تكونت
لديه هي صورة امرأة
تمشي مبتعدة ثم تنظر خلفها ملتفتة اليه. ذلك وثيق الصلة بالموضع
انه في محور كيفية
رؤيتك وفهمك لشخصية ساره.
عندما بدأنا، انا وهارولد
بنتر،
محادثاتنا بشأن
السنياريو، رأينا في وقت مبكر جدا باننا لا نستطيع ان ننجزه بدون
امتلاك نوع من المكون
او العنصر العصري وبصورة متساوية نحن لم نستطع ان نجعل المؤلف
يتحدث الي الجمهور
وبالطريقة التي نفذت بها في الرواية. لذا فقد توصلنا الي نتيجة
ان خلق شيء ومشاطرة
الجمهور في فكرة ذلك الشيء كان اساسيا لسرد هذه القصة لذلك
حاولنا ان نجد مفهوما
سينمائيا وليس مرادفا سينمائيا، لانك لن تستطيع ايجاد هذا
المرادف - والذي سوف
يعطينا هذه الرؤية المزدوجة وعلي مهل توصلنا الي هذا النوع
الخاص من الوسيلة
المنسوبة الي المسرحي الايطالي بيرانديللو عندما يكون لديك مشهد
يفضي الي مشهد تال
فسوف يكون لديك بقايا من المشاعر التي تمكث وانت تحملها معك في
المشهد الجديد. في
فيلمنا، كانت المشاعر تنتقل من القصة الفيكتورية الي القصة
العصرية وبالعكس.
صحيح ان الجمهور سوف يشعر
بالتشوش بعض الشيء في بداية الفيلم
تماما مثلما شعر
القراء أثناء قراءة الرواية. لكن ما ان تقبل بالوسيلة حتي تصبح
جزءا من فتنة الرواية
وجزءا من خاصيتها. ان فكرة لوحة الكلاكيت التي نفتتح بها
الفيلم هي في الواقع
خطرت لنا في فترة لاحقة اثناء عملية التصوير. فقد فكرنا انه
اذا بدأنا بالقصة
الفيكتورية ثم انتقلنا فجأة الي القصة العصرية فان الجمهور سوف
يشعر بالارتباك ويختلط
عليه الامر. من ناحية اخري، لو كان لدينا فقط علامة استفهام
صغيرة تتأرجح في بداية
القصة الفيكتورية فان الانتقالات عندئذ سوف تصبح مقبولة اكثر
فيما بعد. ان توظيف
الكلاكيت هو الموضع الوحيد في الفيلم حيث نستخدم تباين الوهم
والواقع وسيلة التقاطع
هي ليست عن الفيلم والحياة او الوهم والواقع، انها ببساطة
طريقة لعرض قصتي حب
متوازيتين.
هل يتعين ان تكون امينا
للرواية؟ اجابتي هي: لا،
لا ينبقي عليك ان تكون
امينا لأي شيء، بل ينبغي ان تقوم بتعديلات وتغييرات علي
ثيمات الرواية التي
تصير فيلما وليست رواية مصورة سينمائيا، ولانك في هذا الفيلم
تستطيع ان تضع مشاعرك
وتداعيات بتحقيق الفيلم فانك لا تغير الرواية بل هي تستمر في
الوجود اما مسألة ان
تكون امينا فان ذلك هدف احمق. الرواية قادرة علي ان تأخذك الي
باطن الشخصية، انها
تمنحك تأملات الشخصية وأحاسيسها ومشاعرها وتداعياتها التاريخية.
ذلك شيء لا تستطيع
الافلام الا ان تلمح اليها. لكن في لحظة اقرارك بتلك الحقيقة فان
فكرة ان تكون امينا
تصبح بلا معني لان في السينما يتعين عليك ان تستعيض بشئ سيما عن
الامور التي لا تقدر
ان تفعلها. انك لا تستطيع ان تترك نفسك فحسب مع الاشياء التي
تكون متروكه، تلك
البقايا التي يستطيع الوسط ان يمتصها. ولحظة ادراكك لها تكون خارج
مهمة الترجمة وداخل
مسألة جعله يعني ما تريد منه ان يعنيه.
لو تأملت المعالجات
السينمائية الجيدة حقا
لبعض الروايات - عناقيد الغضب، علي سبيل المثال - فسوف تكتشف
بانها مختلفة علي نحو
متطرف عن الرواية.. ليست مختلفة في الاحداث فقط، بل في
الطريقة التي هي توزع
تعاطفها ومشاركاتها الوجدانية.
فحوار الفيلم كتبه كله هارولد بنتر،
وبالطبع، جون فاولز.. بما اننا قد استعرنا الحوار من الرواية. كنا
- انا وهارولد - نجلس
في الغرفة ونتحدث عن المشاهد والشكل، وفي مرحلة معينة يخرج
هارولد ويكتب المسودة
اعتقد ان هناك ست او سبع مسدوات كاملة من السيناريو كنا
نقرأها ونمثلها ونري
اي المشاهد واي مقاطع الحوار نحتاجها وايها لا
نحتاجها.
وهارولد معروف عنه تشدده
وصعوبته فيما يتعلق بتغيير الحوارات اثناء
التصوير. لكن موقفه
بسيط انه يقول لك: کانا موجود، فاذا اردت ان تغير الجمل، تعال
وتحدث الي عنها، افعل
ذلك معي بالنسبة لي، ذلك يبدو اكثر من معقول اني اغير الحوار
اثناء التصوير لكن ليس
علي نحو مشوش او فالت. الممثلون، خصوصا في امريكا اكتسبوا
حرية تغيير الحوار
ساعة يشاءون، والذي اظنه امرا خطيرا. المبدأ سليم لكن له مفعول
جانبي مؤسف في احوال
كثيرة، التغييرات تحدث قبل استدعاء المخيلة لجعل الحوار
المكتوب يعمل بنجاح.
واقع انك لا تستطيع ان تقتنع بالجملة بسهولة في البروفة الاولي
او الثانية لا يعني ان
الجمل مسيئة. يجب علي المرء ان يحاول بان يجعل المادة
المكتوبة تعمل قبل
تغييرها.. وعندئذ ينبغي ان يشعر بحرية في تغييرها.
حريدة
الأيام
في 31 أغسطس 2003