قراءة النقد من قِبل الناقد لا تختلف كثيراً عن قراءة النقد من
قبل المهتم بالسينما من القرّاء. حالما تدخل في رحاب الكاتب، سواء أكنت
ممارساً للكتابة النقدية بدورك او لا، تصبح في حالة تواصل مع رأيه وطريقة
كتابته معاً.
الإختلاف الأساسي في هذه الحالة بسيط: الناقد القاريء كثيراً
ما يكون شاهد الفيلم المنقود. القاريء المطّلع ربما لم يشاهده بعد. عليه
فإن الناقد القاريء قد يتجاوز الفقرات التي تتناول القصّة إيجازاً او
إسهاباً، بينما القاريء المطلّع الذي لم يشاهد الفيلم بعد لديه إختيار
مختلف: أما أن يقرأ القصّة وبعد ذلك عليه أن يحل مشكلة معرفته بها حين يرى
الفيلم ما يمنع عنه بعض الغموض او التشويق، او أن لا يقرأ القصّة مطلقاً
وينتقل من المقدّمة الى تلك الأسطر التي تلي التلخيص القصصي. لكن كل هذا هو
ما يفتح الباب أمام موضوع القصّة في النقد السينمائي. هل تكتبه أساساً او
لا تأتي على ذكره؟ هل تكتبه بإيجاز لا يؤثر على توقّعات المشاهد او تكتبه
بإسهاب لتأكيد رأيك في أن الفيلم جميل وجيد او رديء وبشع؟
إذ يتحدّث عديدون اليوم عن "فاراياتي" كأفضل مجلّة سينمائية
موجودة في العالم (وهذا القطع ليس من عندي) لنبدأ بها مثالاً، فهي تنشر في
أعدادها اليومية وفي أعدادها الأسبوعية وعلى الإنترنت نقداً للأفلام
الجديدة . كل الأفلام التي يستطيع أي من نقادها او مراسليها مشاهدتها في أي
مكان من العالم، وفي أي مهرجان او صالة صغيرة في عرض خاص- لا يهم. وهذه
الخدمة هي حقّاً من أهم الخدمات التي توفّرها المجلة، وللبعض من الذين لا
تهمّهم الأمور التجارية التي توليها المجلة أكبر قدر من الإهتمام، فإنها
الكتابة الوحيدة التي تستحق القراءة.
لكن "فاراياتي" توصي من يكتب فيها بأن لا ينسى هذا الجانب-
الجانب الصناعي، فإذا بكل مقالة نقدية عليها أن تذكر في مقدّمتها رأي
الناقد بمستقبل الفيلم التجاري كأن يقول مثلاً "فيلم خاص سوف يهم مهرجانات
السينما التعرّف عليه ولو أنه تجارياً قد لا يرى ذات الإهتمام".
القصّة في نقد "فاراياتي" تأخذ حيّزاً لا بأس به من المقالة
النقدية، لكن مع إغفال متعمّد للجزء النهائي من الفيلم. هذا الإغفال قد
ينفع في أن القاريء سوف لن يعرف كيف سينتهي الفيلم، لكن ما سبق لن ينفعه
اذا ما أراد أن يكون سيّد التوقعات فعلاً. لكن التلخيص مهم الى حد في هذا
الإطار. فهو يحدد عموماً السبب في موقف الناقد تجاه الفيلم. فعبارة مثل
"وفي نقلة مفاجئة لا تفي الشخصيات حقّها من التطوّر نرى ليندا وقد تركت
عملها وانتقلت الى ضاحية جديدة من المدينة" بذلك انتقد الناقد، وهو لا يزال
يتحدّث عن القصّة ما يراه بنقلة غير موفّقة للفيلم من حال الى آخر.
لكن هذه الملاحظة موجودة في عداد المقالات النقدية المختلفة
عربياً وعالمياً.. ودائما ما أشعر بأن بعض النقاد محتارون في وضع القصّة،
كحجم وكمكان أيضاً. بينما هناك نقاد لا يكترثون وهذا اللا إكتراث يجعلهم
يسهبون في وصف الأحداث بعد مقدّمة وقبل مؤخرة توجز الرأي النقدي- وهذا
الصنف هو مضاد تماماً لما يجب أن يكون الحال عليه. فالقصّة وأحداثها
ومواقفها وشخصياتها (اي الفيلم من الداخل) عليها أن توجز بالشكل الذي
يوفيها حقّها من العرض دون أن يفسد قيمة المشاهدة حين ينتقل القاريء الى
الصالة لمشاهدة الفيلم. وإذا كان لابد من معيار مساحة، فإن الربع الى الثلث
بالكثير كاف لدى الناقد الممارس لمنح القاريء النبذة التي يختارها للقصّة.
أما الباقي فيجب أن يكون بحثاً نقدياً في العمل السينمائي الذي يختاره.
طبعاً هناك من يكتب الملخص - قصيراً او طويلاً- الى جانب
الموضوع ومنفصلاً عنه تاركاً للقاريء حريّة قراءته او لا. على غرار ما
تفعله دائماً مجلة »سايت اند ساوند« البريطانية . الفائدة في ذلك واضحة:
تستطيع قراءة النقد من دون قراءة الملخّص إذا كنت تخاف أن يفسد عليك
التلخيص متعة الفيلم. لكن الصحف اليومية كونها تتبع منهج رئيس التحرير
والمصمم ولا تتبع رؤية الناقد لا تستطيع أن تخلق هذا النوع من الكتابة
وتترك للناقد أمر تلخيص الفيلم الذي يكتب عنه بالطريقة التي يريد.
سينماتك
في 26 يناير 2008