العلاقة بين الناقد وبين المخرج ليست دائماً جيّدة الا إذا
مرّت بدائرة من المصالح المتبادلة.
كأن يقف بعض النقّاد بصف بعض المخرجين، أخطأ او لم يخطيء، وذلك تبعاً
لمصلحة ما يستفيد منها الطرفين. لا أقصد منفعة ماديّة، لكن نوعاً
من المعسكرات التي
تتيح للمخرج الإتكال على تشجيع هذا الفريق من النقاد وتتيح
لذلك الفريق من النقاد الشعور بأنهمم مقرّبون ولو من بعض السينمائيين.
وهي ليست علاقة جيّدة إذا كان المخرج من النوع الذي يتوقّع من
النقاد إلتفافاً
حول أفلامه طوال الوقت. إذا ما خرج ناقد عن خط التشجيع الدائم يوماً فإن
المخرج سيعتبره أخطأ. وسيجعله يشعر بذلك. سيقاطعه وإذا ما أتيحت المناسبة،
سيثير حوله زوابع او يدعو آخرين لمقاطعته. طبعاً الناقد الذي يكتب لقرّائه
فقط، لن يخسر شيئاً. الخاسر هو المخرج ليس لأن الناقد أعلى ودائماً
على حق، بل لأن رسالته هي التي أثبتت جدواها في هذا السجال.
والمخرجون ككثير
غيرهم في أي مهنة، بدءاً بالسياسي، لا يحبّون الحقيقة الا إذا
كانت مواتية،
حتى ولو كان مخرجاً جيّداً. كونه مخرج جيد او غير جيّد لا علاقة له
البتّة إذا ما كان شجاعاً لدرجة تقبّل الرأي المعاكس أو لا.
وأعتقد أن هذا النوع من العلاقة كان منتشراً
في الماضي أكثر منه هذه الأيام، والمؤكد إنه موجود في بلداننا العربية وفي
دول أخرى تشاركنا أوجاعنا الفردية والإجتماعية.
لا تجده -الا في حالات فردية إستثنائية- في السينمات الأوروبية او
الأميركية. ليس هناك ناقداً مقرّباً
من كلينت ايستوود او كن لوتش او جان-لوك
غودار. هناك نقاد يحبّون أفلام هؤلاء او سواهم، لكن مقرّبون بحيث يتغاضون
عن الأخطاء في سبيل إستمرار علاقة طيّبة، فهو أمر نادر جدّاً.
أسوأ من كل هذا هو ذلك النوع من العلاقة الناتجة عن مخرجين
قرّروا أن النقاد مجموعة من الناس لا لزوم لها.
هؤلاء موجودون في كل أنحاء العالم ربما بقدر من التساوي.
مؤخراً أستمعت الى الممثل الذي
أقدّر كثيراً جيمس كروموِل (زوج إليزابث في »الملكة« لستيفن فريرز) وهو يصف
النقاد بالطفيليات. موقع صحيفة
Indiafm
ينقل أن مجموعة من المخرجين حول طاولة مستديرة من على محطة تلفزيونية
هندية، نفوا- بإستثناء مخرج واحد هو راجكومار هيراني- أن يكون هناك
نقّاداً.... هكذا دفعة واحدة! ربما لا توجد أفلام جيّدة كافية لكن الناقد
موجود وهناك حفنة جيّدة لا بأس بها حتى في بلدان لا تنتج تباعاً او كثيراً.
ومثل هذه المجموعة الهندية هناك مجموعة عربية
من المخرجين والكتّاب والممثلين والمنتجين.
تصوّر لو أن نجماً سينمائياً ينجز نجاحات تجارية كبيرة اعترف بأن ما يمثّله
من أفلام، في معظمها الكاسح لا يعدو عن «هلس» وتخدير وإثارة حسيّة لغرض أن
يبقى الممثل الأكثر إيراداً على الدوام. تصوّر لو أنه قال معترفاً «نعم
النقاد على حق. أفلامي تستحق أن لا تُنتج».
بعضنا يتذكّر ما كان الحال عليه في
السبعينات عندما اشتد عود ما سُمِّي حينها بـ «السينما البديلة»، لقد نشأت
الثقة سريعاً بين المخرجين الهادفين وبين النقاد الجادين.
وسادت الحياة الثقافية السينمائية نهضة لم تتكرر الى اليوم. ليس أنه ليس من
بيننا من يحمل إسم «ناقد» زوراً، وليس من بيننا من يشتغل لمصالح ويجعلها
طرفاً في عملية التقييم. الملائكة قد تكون أقل عدداً من الشياطين، لكن
المؤكد أننا لسنا جميعاً شياطين، وأن هناك عدداً كافياً من الملائكة لضخ
الرأي الصائب في الأفلام المحلية من ناحية وتثقيف الجمهور من ناحية أخرى.
سينماتك
في 28 أبريل 2007