المخرج "بريان دي بالما"،
واحداً من عمالقة الإخراج في السينما العالمية، إستحق لقب »ملك أفلام
الرعب«، وذلك لأن أفلام الرعب التى يقدمها تتميز بإيقاع متوتر ومتصاعد يشد
الأنفاس ويحبسها، ويسيطر على مشاعر المتفرجين حتى اللحظات الأخيرة من
الفيلم. أفلامه عنيفة ودموية ومليئة بالقتل، في جرعات محسوبة بدقة وموزعة
بحذر وإتقان. من أبرزها (الوجه ذو الندبة SCARFACE) و(المعصومون THE UNTUCHABLE).
نحن أمام مخرج ذو مقدرة كبيرة في تجسيد أفكار غير تقليدية، وحرفي جيد في إختيار زواياه الخاصة بلغة التصعيد الدرامي. فهو الذي قدم أفلاماً مثل
(كاري CARRIE) و(درب على القتل DRESSED TO KILL) و(غضب ANGER) و(إنحسار BLOW OUT) وغيرها من الأفلام الناجحة.
إسلوب دي بالما، في أفلام الرعب والإثارة التي أنجزها، يعتمد على عنصر
الإيحاء في خلق الإحساس الدرامي المتوتر، أكثر من إعتماده على الإثارة وإستخدام المشاهد التي يسيل فيها الدم بجرعات كبيرة ومغززة. إنه يثير
نوعاً من التوجس المشحون بالقلق لدى المتفرجين. ثم أنه يعتمد في خلق عنصر
التشويق على إستخدامه للموسيقى التصويرية بشكل بارع وذكي.
في مقالنا هذا الأسبوع، سنتحدث عن فيلم دي بالما الأخير (المعصومون ـ
1987)، والذي يتميز بضخامة إنتاجه. قام ببطولة الفيلم مجموعة من خيرة
الممثلين، وعلى رأسهم العبقري روبرت دي نيرو في دور »آل كابون«، إضافة الى الأمريكي كيفن كوستنر والبريطاني شين كونري.
فيلم (المعصومون) يأتي ضمن سلسلة أفلام العصابات الأمريكية، مثل فيلم
(الأب الروحي) بجزئيه، وفيلم (حدث ذات مرة في أمريكا)، وغيرها. تلك
الأفلام التي تبرز تبرز المبادىء والقيم داخل الشخصية الأمريكية المثالية،
والتي تركز عليها هذه الأفلام في محاولة لإقناع المتفرج بوجود هذه الشخصية
الخرافية.
والفيلم يعيد الى الذاكرة المسلسل التليفزيوني (القاهرون) الذي عرض في
مطلع الستينات، ويتناول موضوع العنف والمافيا في شخصية »آل كابون« الذي
قدمت عدة مرات، حيث يرى صناع السينما بأن هذه الشخصية والظروف الموضوعية
المحيطة بها مادة خصبة للبحث والدراسة والتحليل. لذا تم إستحضارها أكثر من
مرة، فكانت كما هي دائماً، رمزاً للعنف والقسوة والدمار الأخلاقي والإجتماعي من أجل تحقيق أغراضها وأهدافها الخاصة، حتى ولو أغرقت الدماء
الحمراء الشاشة البيضاء بالكامل.
وها هو دي بالما يعود بشخصية آل كابون (روبرت دي نيرو) التقليدية الى
الشاشة من جديد، ليجسد ـ من جديد ـ صورة الإرهاب والعنف المتجاوز لكل
قانون، وليجسد ـ أيضاً ـ تلك الظروف الإقتصادية لمدينة شيكاغو الأمريكية
وأزماتها في العقود الأولى من هذا القرن، والتي ساهمت في تكوين نماذج
إنسانية مشوهة تتحرك للهيمنة على مقدرات هذه المدينة.
وفي الجانب الآخر، هناك من يحاول الوقوف ضد كل هذا العنف ويعارض كل هذا
الفساد المتجذر. هناك شخصية المحقق الفيدرالي أليوت نيس (كيفن كوستنر)،
وهو الذي يقف في وجه آل كابون ويوقف نزيف العنف والجريمة، يمساعدة بعض
العناصر الشريفة التى إختارها للعمل معه. إن شخصية هذا المحقق شخصية
حقيقية، إستطاعت أن تغير عجلة التاريخ وحركة الجريمة في هذه المدينة
الأمريكية. بعد سيل من المواجهات والمعارك الدموية في مشاهد مرسومة بعناية
وتمتاز بالدقة والجودة في الكتابة والتنفيذ.
في هذا الفيلم ـ بالذات ـ تبرز الإمكانيات التمثيلية الهائلة. فالعبقري
روبرت دي نيرو ـ كما عودنا ـ يغير جلده في كل مرة ومع كل دور جديد يقدمه،
فهو يظهر في الفيلم في ستة مشاهد فقط مقابل مليون ونصف دولار، إلا أنه
يملىء الشاشة بحضوره الطاغي في شخصية آل كابون. ولمعايشة الدور وتقمصه،
قام بزيادة وزنه ثلاثين كيلو جراماً على مدى شهرين، قام خلالها بإلتهام
كميات كبيرة من النشويات والبطاطس والبيض والحلويات وشرب الحليب والإكثار
في النوم والإقلال من الحركة، حتى تحول الى كتلة بشرية ضخمة قريبة الشبه
من شخصية آل كابون الحقيقية. أما شخصية المحقق نيس فقد فاز بها الممثل
كيفن كوستنر، بعد منافسة حادة مع كل من ويليام هيرت وهاريسون فورد، وكانت
سبباً لنجوميته وشهرته بعد أن ظل سجيناً للأدوار الثانوية في الكثير من
الأفلام.
ولا يمكن أن ننسى الممثل شين كونري، والذي قام بدور الشرطي مالون. حيث
قدم دوراً يعد من أفضل أدواره، بعد خبرة سنوات طويلة بالعمل في السينما
والمسرح.
أخيراً .. فإن (المعصومون) من الأفلام الهامة التي تجمع بين المتعة
والمستوى الفني العالي والأداء التمثيلي الأخاذ. فيلم لا يمكن إلا أن يبقى
في الذاكرة فترة طويلة. |